من عجائب خلق الله أن تجد ميكروبات تهاجم النباتات وتسبب لها امراض فتاكة احيانا ونسميها كائنات ممرضة. هذه الكائنات الممرضة تكلفنا الكثير لمكافحتها او الحد منها ولكنها تظل غالبا تهاجم النبات كل عام.
في المقابل هناك كائنات حية دقيقة صديقة للنبات وهي التى تعيش مع النبات معيشة تكافلية Symbiotic relationship لتفيد النبات وتستفيد منه ايضا. من هذه الكائنات التكافلية بكتيريا الريزربيوم او بكتيريا العقد الجذرية في المحاصيل البقولية كالفول والبرسيم وكذلك فول الصويا.
توجد عدة انواع من الجنس Rhizobium متخصصة للغاية، فالنوع الذي يعدي فول الصويا يختلف عن النوع الذي يصيب الفول او البرسيم مثلا.
والسؤال المطروح دائما هو لماذا هذا التخصص الدقيق للعلاقة بين بكتيريا محددة وصنف نباتي بعينه دون الآخرين ومن يحدد هذه العلاقة، البكتيريا ام النبات العائل.
علماء الزراعة حول العالم وخاصة في تخصص ميكروبيولوجيا التربة Soil Microbiologyمهتمون للغاية بقضية بكتيريا الريزوبيوم المثبتة للنيتروجين لسبب رئيسى مهم وهو ان هذه البكتيريا تسبب تكوين عقد او اورام حميدة على جذور نباتات دون اخري.
هذه العقد تشبه محطات اسالة الغاز حيث تثبت النيتروجين الجوي وتحوله الى نيتروجين سائل او بروتين نباتي في عملية تسمي تثبيت النيتروجين Nitrogen Fixation. وهذه افضل وارخص وسيلة للتسميد النيتروجيني وتعوض النبات عن اضافة اليوريا. لو استطعنا ان نجعل هذه البكتيريا تعدي كل انواع النباتات لاغلقنا مصانع اليوريا في العالم وانهينا شر التلوث بها الذي دمر العالم.
اذا فالبحث في قضية الريزبيوم وكيف يدخل النبات وكيف نوفر الظروف لتكوين عقد بكتيرية جيدة على جذور بعض او كل النباتات فى غاية الاهمية وقد يقودنا الى خير كثير، ولكن العمل فيه غاية في الصعوبة ويحتاج عقول واجهزة وتمويل. لهذا السبب خرجت النتائج المبشرة من مختبرات ثرية حول العالم وتوصلنا النتائج المذهلة التالية والتى اشرحها بتبسيط غير مخل بإذن الله وعلى من يريد الاستزادة من العلماء والباحثين الاطلاع على المراجع المرفقة.
١- بكتيريا الريزوبيوم كائن حي دقيق وحيد الخلية تتحكم في صفاته اعداد قليلة نسبيا من الجينات. تم رسم خريطة جينية له وتم تحديد عدد من الجينات تتحكم في صفة تكوين العقدة الجذرية Nodules Factors وهم بالتحديد من ٦-٩ جينات تختلف حسب نوع البكتيريا.
٢-تحتوي هذه البكتيريا ايضا على بلازميد Plasmid وهو كتلة صغيرة من الحمض النووي غالبا منفصلة عن كروموسوم البكتيريا وهذا البلازميد يحتوي عدد ٢ جين تختص بوظيفة مهمة وهي تنشيط نمو البكتيريا لتكون خيط عدوي يتكون كانبوب طويل يخترق الشعيرة الجذرية تنقسم فيه البكتيريا وتمر كالمسبحة بداخله حتى تصل داخل الخلية . بمعني ان البلازميد هو من يحمل مفتاح بدأ نشاط واختراق الخلية البكتيرية للجذر .
٣-يعمل مفتاح نشاط البكتيريا الموجود في البلازميد فقط عندما تصله إشارة من مواد الفلافونويد Flavonoids التى يفرزها جذر النبات. بمعني ان صاحب القرار الرئيسي هنا في دخول او عدم دخول البكتيريا هو النبات نفسه.
هنا تتضح القضية فالنبات الذي يتوافق مع البكتيريا هو الذي يفرز المادة الملائمة لتشغيل مفتاحها فقط، اما الباقي من النباتات الاخري التى لا تمتلك هذه المواد فلا تكترث به البكتيريا ولا تحاول بالطبع الدخول الى شعيراته الجذرية.
الآن تم استنساخ بعض هذه الجينات لسببين هما :
١- محاولة فهم تفاصيل عملية التكافل وتثبيت النيتروجين بصورة اكبر وبإستخدام ادوات جديدة في المختبر
٢- محاولة زرع هذه الجينات في بكتيريات اخري لتوسيع عملية التخصص وفي نباتات اخري من اجل جعلها تكون عقد بكتيرية مثبته للنيتروجين.
هذه الابحاث الهامة هي في مقدمة اهتمام الباحثين بالدول المتقدمة حول العالم حاليا لأنها تهم الانتاج الزراعي وتهم كل البشر من حيث تقليل استخدام التسميد النيتروجيني وخفض التلوث البيئي باليوريا ولعلها تجد نفس الاهتمام في بلادنا
د محمد المليجي
Leave a Reply